فصل: قال الفخر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الثعلبي:

قال ابن عباس: أتى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم نفر من اليهود، أبو ياسر بن الخطاب ورافع بن أبي رافع وعازار وزيد بن خالد وأزاريل أبي واشيع فسألوه عمن يؤمن به من الرسل؟ فقال: «أؤمن باللّه وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم إلى قوله مسلمون»، فلما ذكر عيسى جحدوا نبوته قالوا: واللّه ما نعلم أهل دين أولى حظًا في الدنيا والآخرة دينًا ولا دنيا شرار دينكم فأنزل اللّه هذه الآية. اهـ.

.قال الفخر:

معنى الآية أنه يقول لأهل الكتاب: لم اتخذتم هذا الدين هزوًا ولعبًا، ثم قال على سبيل التعجب: هل تجدون في هذا الدين إلا الإيمان بالله والإيمان بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم، والإيمان بجميع الأنبياء الذين كانوا قبل محمد صلى الله عليه وسلم يعني أن هذا ليس مما ينقم، أما الإيمان بالله فهو رأس جميع الطاعات، وأما الإيمان بمحمد وبجميع الأنبياء فهو الحق والصدق؛ لأنه إذا كان الطريق إلى تصديق بعض الأنبياء في ادعاء الرسالة والنبوّة هو المعجز، ثم رأينا أن المعجز حصل على يد محمد عليه الصلاة والسلام وجب الإقرار بكونه رسولًا، فأما الإقرار بالبعض وإنكار البعض فذلك كلام متناقض، ومذهب باطل، فثبت أن الذي نحن عليه هو الدين الحق والطريق المستقيم، فلم تنقموه علينا!قال ابن عباس: إن نفرًا من اليهود أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألوه عمن يؤمن به من الرسل، فقال: أؤمن بالله وما أنزل علينا وما أنزل على إبراهيم وإسماعيل إلى قوله ونحن له مسلمون، فلما ذكر عيسى جحدوا نبوّته وقالوا: والله ما نعلم أهل دين أقل حظًا في الدنيا والآخرة منكم ولا دينًا شرًا من دينكم، فأنزل الله تعالى هذه الآية وما بعدها.
وأما قوله: {وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فاسقون} فالقراءة العامة {أن} بفتح الألف، وقرأ نعيم بن ميسرة {إن} بالكسر. اهـ.

.قال السمرقندي:

{وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فاسقون} يعني: لم تؤمنوا لفسقكم، وعصيانكم.
وقال الزجاج: معنى {هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّا} هل تكرهون منا إلا إيماننا.
وبفسقكم إنما كرهتم إيماننا وأنتم تعلمون أنا على الحق، لأنكم فسقتم، ولم تثبتوا على دينكم، لمحبتكم الرئاسة ومحبتكم المال. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَأَنْ أَكْثَرُهُمْ فاسقون} أي متمردون خارجون عن دائرة الإيمان بما ذكر، فإن الكفر بالقرآن العظيم مستلزم للكفر بسائر الكتب كما لا يخفى، والواو للعطف وما بعدها عطف على {مِنَّا إِلاَّ}.
واختار بعض أجلة المحققين أنه مفعول له لتنقمون والمفعول به الدين، وحذف ثقة بدلالة ما قبل وما بعد عليه دلالة واضحة، فإن اتخاذ الدين هزوًا ولعبًا عين نقمه وإنكاره، والإيمان بما فصل عين الدين الذي نقموه، خلا أنه أبرز في معرض علة نقمهم له تسجيلًا عليهم بكمال المكابرة والتعكيس حيث جعلوه موجبًا لنقمه مع كونه في نفسه موجبًا لقبوله وارتضائه، فالاستثناء على هذا من أعم العلل أي ما تنقمون منا ديننا لعلة من العلل إلا لإيماننا بالله تعالى وما أنزل إلينا وما أنزل من قبل من كتبكم ولأن أكثركم متمردون غير مؤمنين بشيء مما ذكر حتى لو كنتم مؤمنين بكتابكم الناطق بصحة كتابنا لآمنتم به، وقدر بعضهم المفعول المحذوف شيئًا ولا أرى فيه بأسًا، وقيل: العطف على {مِنَّا إِلاَّ} باعتبار كونه المفعول به لكن لا على أن المستثنى مجموع المعطوفين إذ لا يعترفون أن أكثرهم فاسقون حتى ينكروه بل هو ما يلزمهما من المخالفة، فكأنه قيل: هل تنكرون منا إلا أنا على حال يخالف حالكم حيث دخلنا في الإسلام وخرجتم منه بما خرجتم، وقيل: الكلام على حذف مضاف أي واعتقاد أن أكثركم فاسقون، وقيل: العطف على المؤمن به أي هل تنقمون منا إلا إيماننا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل من قبل وبأن أكثركم كافرون، وهذا في المعنى كالوجه الذي قبله.
وقيل: العطف على علة محذوفة، وقد حذف الجار في جانب المعطوف، ومحله إما جر أو نصب على الخلاف المشهور أي هل تنقمون منا إلا الإيمان لقلة إنصافكم ولأن أكثركم فاسقون، وقيل: هو منصوب بفعل مقدر منفي دل عليه المذكور أي ولا تنقمون أن أكثركم فاسقون، وقيل: هو مبتدأ خبره محذوف، ويقدر مقدمًا عند بعض لأن {إن} المفتوحة لا يقع ما معها مبتدأ إلا إذا تقدم الخبر.
وقال أبو حيان: «إنَّ {إن} لا يبتدأ بها متقدمة إلا بعد أما فقط»، وخالف الكثير من النحاة في هذا الشرط على أنه يغتفر في الأمور التقديرية ما لا يغتفر في غيرها، والجملة على التقديرين حالية، أو معترضة أي وفسقكم ثابت أو معلوم، وقيل: الواو بمعنى مع أي هل تنقمون منا إلا الإيمان مع أن أكثركم الخ؟ وتعقبه العلامة التفتازاني بأن هذا لا يتم على ظاهر كلام النحاة من أنه لابد في المفعول معه من المصاحبة في معمولية الفعل، وحينئذ يعود المحذور وهو أنهم نقموا كون أكثرهم فاسقين، نعم يصح على مذهب الأخفش حيث اكتفى في المفعول معه بالمقارنة في الوجود مستدلًا بقولهم: سرت والنيل وجئتك وطلوع الشمس، وبحث فيه بأن ذلك الاشتراط في المفعول معه لا يوجب الاشتراط في كل واو بمعنى مع، فليكن الواو بمعنى مع من غير أن يكون مفعولًا معه لانتفاء شرطه وهو مصاحبته معمول الفعل بل يكون للعطف.
وقيل: الواو زائدة {وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ} الخ في موضع التعليل أي هل تنقمون منا إلا الإيمان لأن أكثركم فاسقون.
وقرأ نعيم بن ميسرة وإن أكثركم بكسر الهمزة، والجملة حينئذ مستأنفة مبينة لكون أكثرهم متمردين، والمراد بالأكثر من لم يؤمن {وَمَا ءامَنَ منْهُمْ إِلاَّ قَلِيل}. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من فوائد ابن عاشور في الآية:

قال رحمه الله:
{قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آَمَنَّا بِاللَّهِ}.
هذه الجمل معترضة بين ما تقدّمها وبين قوله: {وإذا جاؤوكم} [المائدة: 61].
ولا يتّضح معنى الآية أتمّ وضوح ويظهرُ الدّاعي إلى أمْرِ الله ورسوله عليه الصّلاة والسلام بأن يواجههم بغليظ القول مع أنّه القائل: {لا يحبّ الله الجهر بالسوء من القول إلاّ من ظُلم} [لنساء: 148] والقائل: {ولا تجادلوا أهل الكتاب إلاّ بالّتي هي أحسن إلاّ الّذين ظلموا منهم} [العنكبوت: 46] إلاّ بعد معرفة سبب نزول هذه الآية، فيعلم أنّهم قد ظَلَموا بطعنهم في الإسلام والمسلمين.
فذكر الواحدي وابن جرير عن ابن عبّاس قال: جاء نفر من اليهود فيهم أبو ياسر بنُ أخطب، ورافعُ بن أبي رَافع، وعازر، وزيد، وخالد، وأزار بن أبي أزار، وأشيع، إلى النّبيء فسألوه عمّن يُؤمِن به من الرسل، فلمّا ذكر عيسى ابن مريم قالوا: لا نؤمن بمَن آمن بعيسى ولا نعلم دينًا شَرًّا من دينكم وما نعلم أهلَ دين أقلّ حظًّا في الدنيا والآخرة منكم، فأنزل الله: {قل يا أهل الكتاب هل تنقمون منّا إلاّ أن آمنا بالله إلى قوله وأضلّ عن سواء السبيل}.
فخصّ بهذه المجادلة أهل الكتاب لأنّ الكفّار لا تنهض عليهم حجّتها، وأريد من أهل الكتاب خصوص اليهود كما يُنبىء به الموصولُ وصلتُه في قوله: {مَن لَعنه اللّهُ وغضب عليه} الآية.
وكانت هذه المجادلة لهم بأنّ ما ينقمونه من المؤمنين في دينهم إذا تأمّلوا لا يجدون إلاّ الإيمانَ بالله وبما عند أهل الكتاب وزيادة الإيمان بما أنزل على محمّد صلى الله عليه وسلم والاستفهام إنكاري وتعجّبي.
فالإنكار دلّ عليه الاستثناء، والتعجّبُ دلّ عليه أنّ مفعولات {تنقمون} كلّها محامد لا يَحقّ نَقْمُها، أي لا تجدون شيئًا تنقمونه غير ما ذكر.
وكلّ ذلك ليس حقيقًا بأن يُنقم.
فأمّا الإيمان بالله وما أنزل من قبلُ فظاهر أنّهم رَضُوه لأنفسهم فلا ينقمونه على من ماثَلَهم فيه، وأمّا الإيمان بما أنزل إلى محمّد فكذلك، لأنّ ذلك شيء رضيه المسلمون لأنفسهم وذلك لا يهُمّ أهل الكتاب، وَدَعا الرسول إليه أهل الكتاب فمن شاء منهم فليؤمن ومن شاء فليكفر، فما وجْه النقْم منه.
وعدّي فعل {تنقمون} إلى متعلِّقه بحرف «من»، وهي ابتدائية.
وقد يعدّى بحرف على.
وأمّا عطف قوله تعالى: {وأنّ أكثرهم فاسقون} فقرأه جميع القرّاء بفتح همزة «أن» على أنّه معطوف على {أن آمنّا بالله}.
وقد تحيّر في تأويلها المفسّرون لاقتضاء ظاهرها فسق أكثر المخاطبين مع أنّ ذلك لا يَعترف به أهله، وعلى تقدير اعترافهم به فذلك ليس ممّا يُنْقَم على المُؤمنين إذ لا عمل للمؤمنين فيه، وعلى تقدير أن يكون ممّا يُنقم على المؤمنين فليس نقْمُه عليهم بمحلّ للإنكار والتعَجّب الّذي هو سياق الكلام.
فذهب المفسّرون في تأويل موْقع هذا المعطوف مذاهب شتّى؛ فقيل: هو عطف على متعلّق {آمنَّا} أي آمنّا بالله، وبفسق أكثركم، أي تَنقِمون منّا مجموعَ هذين الأمرين.
وهذا يُفيت معنى الإنكار التعجّبي لأنّ اعتقاد المؤمنين كَونَ أكثر المخاطبين فاسقون يجعل المخاطبين معذورين في نقْمه فلا يتعجّب منه ولا ينكر عليهم نقمه، وذلك يخالف السياق من تأكيد الشيء بما يشبه ضدّه فلا يلتئم مع المعطوف عليه، فالجمع بين المتعاطفين حينئذٍ كالجمع بين الضبّ والنّون، فهذا وجه بعيد.
وقيل: هو معطوف على المستثنى، أي ما تنقمون منّا إلاّ إيمانَنا وفسقَ أكثركم، أي تنقمون تخالف حالينا، فهو نَقْمُ حَسَد، ولذلك حسن موقع الإنكار التعجّبي.
وهذا الوجه ذكره في الكشاف وقَدّمَه وهو يحسن لو لم تكن كلمة {مِنّا} لأنّ اختلاف الحالين لا ينقم من المؤمنين، إذ ليس من فعلهم ولكن من مُصَادفة الزّمان.
وقيلَ: حُذف مجرور دلّ عليه المذْكور، والتّقدير: هل تنقمون منّا إلاّ الإيمانَ لأنّكم جائرُون وأكثركم فاسقون، وهذا تخريج على أسلوب غير معهود، إذ لم يعرف حذف المعطوف عليه في مثل هذا.
وذكر وجهان آخران غير مرضيين.
والّذي يظهر لي أن يكون قوله: {وأنّ أكثركم فاسقون} معطوفًا على {أنّ آمنّا بالله} على ما هو المتبادر ويكون الكلام تهكّمًا، أي تنقمون منّا أنّنا آمنّا كإيمانكم وصدّقنا رسلكم وكتبكم، وذلك نَقْمُهُ عجيب وأنّنا آمنّا بما أنزل إلينا وذلك لا يهمّكم.
وتنقمون منّا أنّ أكثركم فاسقون، أي ونحنُ صالحون، أي هذا نَقْم حَسَد، أي ونحن لا نملك لكم أن تكونوا صالحين.
فظهرت قرينة التهكّم فصار في الاستفهام إنكار فتعَجُّب فتهكُّم، تولَّد بعضُها عن بعض وكّلها متولّدة من استعمال الاستفهام في مجازاته أو في معان كنائية، وبهذا يكمل الوجه الّذي قدّمه صاحب الكشاف. اهـ.